تولّى مارتن لاسارتي تدريب منتخب تشيلي في فبراير/شباط
ستشهد المباراة المقبلة أول ظهور له على رأس لا روخا
يتحدث لاسارتي عن التصفيات وكوبا أمريكا والأهداف المستقبلية
على بُعد أيام قليلة من الاحتفال بعيد ميلاده الستين، يواجه الأوروجواياني مارتن لاسارتي التحدي الأكبر في مسيرته التدريبية، حيث يتولى دفة المنتخب التشيلي، الذي يطمح للعودة إلى نهائيات كأس العالم FIFA بعد غيابه عن روسيا 2018.
رغم أن هذه هي أول تجربة له كمدرب على صعيد المنتخبات، إلا أن لاسارتي ملم بكرة القدم التشيلية على نطاق واسع، وهو الذي سبق له تدريب اثنين من أهم ثلاثة أندية في البلاد: أونيفيرسيداد كاتوليكا وأونيفيرسيداد دي تشيلي، الذي فاز معه بثلاثة ألقاب.
يُذكر أن هذا المدرب المخضرم، الملقب بـإل ماتشيتي، هو من منح لويس سواريز الفرصة لخوض مباراته الأولى في نادي ناسيونال دي أوروجواي، قبل أن يتكرّر نفس السيناريو مع أنطوان جريزمان في ريال سوسييداد. كما درّب في كل من كولومبيا والإمارات العربية المتحدة ومصر، التي كانت آخر محطة له قبل استلام دفة المنتخب التشيلي.
وستكون مهمته الرسمية الأولى مع لاروخا في المباراتين المصيريتين ضد الأرجنتين وبوليفيا ضمن تصفيات كأس العالم FIFA قطر ٢٠٢٢™، حيث تحتل تشيلي المركز السادس، الذي يضع كتيبة لاروخا خارج سباق التأهل في الوقت الحالي. وفي هذه المقابلة الحصرية لموقع FIFA.com، يتحدث لاسارتي عن المنافسات التأهيلية وبطولة كوبا أمريكا والأهداف المستقبلية.
Martin Lasarte (Chile)
موقع FIFA.com: ما الذي جذب اهتمامك في العرض التشيلي خلال هذه المرحلة من مسيرتك؟ مارتن لاسارتي: أولاً، من المغري والمحفز دائمًا تلقي عرض لتدريب منتخب وطني. وفي هذه الحالة، هناك أيضاً شعور بالانتماء لهذا البلد. عملت هنا لمدة أربع سنوات تقريباً، ومررت بمرحلة جيدة جداً من مسيرتي وحياتي الشخصية. في وقت من الأوقات، كنت على قائمة المرشحين لهذا المنصب، قبل أن تتحوّل هذه الإمكانية إلى حقيقة ملموسة هذه المرة. لا أعرف ما إذا جاءت في التوقيت المناسب أم في التوقيت الأسوأ، لكن ها أنا ذا هنا الآن. المهم أن هناك الكثير على المحك…وأنا واثق من تحقيق الأهداف التي تم رسمها.
كيف تكيّفت مع الانتقال من مدرب على صعيد الأندية إلى تدريب فريق وطني لأول مرة في مسيرتك، ولا سيما في ظل جائحة عالمية؟ إننا في وضع استثنائي يجبرنا جميعاً على الابتكار وإخراج أفضل ما لدينا من أفكار وإمكانات. هناك جزء كبير من العمل نقوم به في المكتب: مشاهدة المباريات ومقاطع الفيديو وتحليل الإحصاءات والتحدث مع اللاعبين والزملاء، ووضع الخطط...هذا الجانب من العمل يسير على ما يرام. لكن لا يُمكن إنكار أني أحن إلى العمل اليومي: الوصول إلى ملعب التدريب واستقبال اللاعبين والدردشة معهم ومتابعة أدائهم في أنديتهم، يجب على المرء أن يتكيّف مع هذا الوضع. في النهاية، كانت هذه سمة من سمات مسيرتي الرياضية، حيث تعيّن علي التكيف مع مختلف الثقافات والبلدان...أعتقد أنني أتأقلم مع التغييرات دون مشاكل.
كيف تقيِّم بداية مشوار تشيلي في تصفيات قطر ٢٠٢٢؟ في كرة القدم، هناك حديث كثير عن الأحاسيس، رغم أن جدول الترتيب هو الذي يعكس الواقع الحقيقي. صحيح أننا في وضع غير جيد، لكني أشعر أن منتخب تشيلي قدم أداءًا يستحق عليه مزيداً من النقاط والتواجد في أحد المراكز المؤهلة. فقد تعادلت معنا كولومبيا بعد مباراة تكتيكية للغاية؛ ثم فازت علينا أوروجواي في الدقيقة الأخيرة بتسديدة من مسافة بعيدة؛ كما جاء هدف فنزويلا قبل النهاية أيضاً. كان لدى تشيلي ما يكفي من الفرص لتحقيق نتائج أفضل. بالنسبة لي، هذا الشعور يكفي للتطلع بتفاؤل للمرحلة المقبلة وما يُمكننا تحقيقه في المستقبل.
ما هو أكثر شيء أعجبك في الفريق وما هي الأشياء التي لم تُعجبك خلال تلك المباريات الأربع؟ ما لم يُعجبني، أو أكثر ما يقلقني، هي الأهداف التي تلقّيناها في الأنفاس الأخيرة. التماسك في المراحل الأخيرة من المباريات أمر مهم للغاية، ولا سيما في هذا المستوى. ما أعجبني أكثر هو وجود قاعدة متينة يُمكن البناء عليها، وبنية صلبة ظلت قائمة مع مرور الوقت ويُمكن الاعتماد عليها للحاضر والمستقبل. فأساس الفريق يقوم على مجموعة من اللاعبين، الذين ما زالوا في أفضل حالاتهم، وسيكونون بمثابة العماد الذي سيُذكي رغبة المنتخب التشيلي في العودة إلى كأس العالم.
وما هي الجوانب التي تثير انتباهك أكثر في هذا الفريق؟ أشعر أن منتخب تشيلي يمر بعملية تغيير، مثل العديد من منتخبات أمريكا اللاتينية في السنوات الأخيرة. ربما يشهد المنتخب التشيلي تغييراً مباشراً أكثر من غيره، لكن لديه مجموعة من اللاعبين الذين هم في وضع يسمح لهم بتحقيق الهدف المنشود، ولكن أيضًا بالاستمتاع بوجودهم معنا في كأس العالم، إذا تأهلنا. وهناك آخرون يوجدون في مرحلة أخرى من مسيرتهم، حيث يُمكنهم تقديم يد المساعدة، لكن ربما تكون بطولة كأس العالم بعيدة المنال بالنسبة لهم.
وهنا يأتي الجزء الآخر من التحليل: يجب أن نواصل ما بدأه رويداً، الذي حاول تجديد الفريق، وأنا أفضل كلمة التجديد على التغيير. فالتجديد يعني تعايش لاعبي المراحل السابقة مع الواقع الجديد، وذلك في عملية يجب أن تسير خطوة خطوة وبوتيرة بطيئة، حيث يتم نقل الخبرات والمعارف من جيل إلى الجيل اللاحق.
في هذه العملية، ما مدى أهمية التغيير في العقلية الذي رأيناه في لاعبين مخضرمين أمثال برافو وميديل وفيدال وسانشيز؟ إنه ينطوي على أهمية بالغة. ليس من قبيل المصادفة أنهم حققوا أهم الإنجازات في كرة القدم التشيلية. إنهم لاعبون لا يزالون بارزين ومتألقين حتى اليوم بفضل مواهبهم الرياضية، ولكن أيضاً بفضل قدرتهم التحفيزية. هذا ما أعنيه عندما أتحدث عن نقل الخبرات: من الأساسي أن يكون لديك لاعبون يتمتعون بقدرة التلقين هذه، وتشيلي تمتلك هذه القدرة.
كيف تتخيّل قيادة منتخب يزخر بالعديد من اللاعبين ذوي الشخصية القوية، دون أن تتمكّن من العمل معهم على أساس يومي، كما هو الحال في التدريب على صعيد النادي؟ إنه تحد آخر في مسيرتي. في مصر تعاملت مع لاعبين من نادي الأهلي، وهو ناد كبير جداً وإن كان غير معروف لدى البعض في البلدان الغربية؛ ومع ذلك سارت الأمور بشكل جيد، رغم أني عملت بمنهجية مختلفة عن المنهجية المألوفة لديهم ورغم أني لم أكن أتحدث لغتهم. العلاقة مع عناصر الفريق أمر بالغ الأهمية، وأنا أعلم أن إدارة المجموعة أصعب بكثير من العمل التكتيكي.
بالحديث عن الخطط التكتيكية، ما هو مخططك لمنتخب تشيلي؟ الأمر يتوقّف أيضاً على الجوانب الصحية وطبيعة الخصوم...استقبال الأرجنتين على أرضك ليس مثل مواجهة بوليفيا في ملعبها. الواقع يختلف باختلاف السياقات. ستكون خطتنا الأساسية هي 4-3-3 أو 4-2-3-1، وهي الخطة التي تم استخدامها أكثر من مرة. وبغض النظر عن هذا الرقم أو ذاك، فإننا نحاول أن نسير على خطى من سبقونا في قيادة هذا المنتخب، من بييلسا إلى رويدا مروراً عبر سامباولي.
ماذا تقصد بذلك؟ هناك جوانب مهمة من الهوية التي ميّزت كرة القدم التشيلية في السنوات الأخيرة، وهي جوانب لا يُمكننا التخلي عنها، لكن دون نسيان أمر مهم: ما حدث قبل 10 سنوات مع هؤلاء اللاعبين شيء، والواقع الحالي شيء آخر. اللاعبون لا يفقدون المهارات والموهبة والخبرة، ولكن في المقابل يفقدون أشياء أخرى، مثل القدرة الجسمانية. من هذا المنطلق، سيتعيّن علينا البحث عن طرق تسمح لنا بالحفاظ على نفس القدر من الفعالية التي كانت لدينا من قبل. فلنأخذ الضغط العالي على سبيل المثال. لعلنا لسنا قادرين على القيام بذلك طوال الوقت، ولكن يُمكننا القيام بذلك في أوقات معينة، في حالات محدّدة من المباراة.
ما هي أولوياتك بالنسبة للمباراتين المقبلتين ضد الأرجنتين وبوليفيا؟ نحن في موقف صعب، والتواصل رقمياً مع اللاعبين مختلف جدًا عن الحديث معهم وجهاً لوجه. نحاول تخزين المعلومات ونقلها إليهم بطريقة واضحة وملموسة: بدلاً من شرح 15 مفهومًا معقدًا، أُفضل التركيز على خمسة مفاهيم بسيطة، بناءًا على ما تم إنجازه بالفعل، ومن ثم الإعداد للعمل عليها معاً عندما نلتقي من جديد.
في ظل قلة الوقت للعمل مع الفريق، هل ترى أن باستطاعتك بناء منتخب يُحسب له حساب؟ وقت العمل المحدود أمر واقع، لكن حدث تغيير إيجابي في عقلية لاعب كرة القدم التشيلي، بل وفي عقلية كرة القدم التشيلية بشكل عام. لقد كان تغييرًا نوعيًا وحقيقيًا، وربما هذا أمر ملحوظ أكثر بالنسبة لنا نحن الذين أتينا من الخارج، أو لمسناه عندما واجهنا تشيلي في السابق. يجب أن نُحافظ على ذلك الزخم الذي كسبته كرة القدم التشيلية ولم يحن الوقت بعد لتفقده.
في كوبا أمريكا، هل ستُعطي الأولوية للنتائج الآنية أم لبناء فريق ينافس بقوة في التصفيات؟ إنه مثل السؤال حول من تحب أكثر، الوالد أم الوالدة! (يضحك) الجواب شامل...الهدف الأسمى هو التأهل إلى كأس العالم. بالنسبة لبطولة كوبا أمريكا، فإننا نفكر في منح بعض الفرص لأولئك الذين لم يلعبوا من قبل أو لم يلعبوا إلا قليلاً. لأننا سنحتاجهم بعد فترة وجيزة في التصفيات وأيضاً في كأس العالم، إذا تأهلنا. بهذا المعنى، نحن نرى في كوبا أمريكا حلاً وليس مشكلة، ولا نعتقد أن هذا سينعكس سلباً على النتائج الرياضية.
أنت تعرف تعطش مشجعي كرة القدم في أمريكا الجنوبية إلى الاحتفال بالنجاحات والألقاب، والمشجع التشيلي ليس استثناءًا لهذه القاعدة. ما هي رسالتك للجمهور التشيلي؟ أطلب منه فقط ألا يبخل على فريقه بالمؤازرة والدعم والتشجيع. أن يؤمن بهذه المجموعة. أنا لا أحمله المسؤولية، فأنا المسؤول الأول والأخير عن الفريق ونتائجه، لكنني أطلب من المشجعين الاتحاد والتآزر والسير جميعاً في نفس الاتجاه. إنها مسؤوليتنا جميعاً. الطاقة الإيجابية لها تأثير كبير، وأعتقد أن اللاعبين سيكونون ممتنين لذلك.
رغم أنك توليت منصبك مؤخرًا، هل أنت مهووس بفكرة تحقيق التأهل لكأس العالم FIFA قطر ٢٠٢٢؟ بالنسبة لي الأمر يتعدى أن يكون هوساً. إنه التزام، رغم أنه عمل أنجزه بكل سرور. قبل بضعة أشهر واجهتني مشكلة صحية مقلقة، خرجت منها سالماً لحسن الحظ، واليوم أرى الأشياء من منظور آخر. أفعل ما أحب وأعمل في ما أحب. أنا في بلد أشعر فيه وكأنني في وطني، ولدي نفس الهدف الذي يحدو الجميع. سأساهم من موقعي بالعمل الدؤوب والأمانة والعزيمة وقليل من الموهبة (يضحك)، مع أكبر قدر من التفاني وقوة الإرادة. والأيام ستحدد ما إذا كان ذلك كافياً لتحقيق المبتغى.