قبل عامين من الآن، حقَّقت جزر القمر إنجازاً تاريخياً بوصولها للمرة الأولى إلى مرحلة خروج المغلوب في بطولة كأس الأمم الأفريقية. لكن في ظل غياب حُراس المرمى الثلاثة إما بداعي الإصابة أو بسبب فيروس كوفيد-19، أُجبر منتخب هذا الأرخبيل الواقع في المحيط الهندي على الاستعانة بالمدافع شاكر الهدهور لتقمص دور حامي العرين خلال المواجهة المصيرية أمام الكاميرون، صاحبة الأرض والجمهور، والتي لم تترك أي مجال للمفاجأة وحسمت موقعة الدور ثمن النهائي (2-1)  التي ستبقى مع ذلك محفورة في ذاكرة كرة القدم الأفريقية.

فبالإضافة إلى ما شهدته من إثارة وتشويق وأهداف، كانت تلك المباراة التاريخية حافلة بالدلالات الرمزية أيضاً، حيث أكدت مدى قدرة جزر القمر على مقارعة عمالقة القارة، رغم كل الصعاب والعراقيل والعقبات.

وفي هذا الصدد، قال علي سيد عثمان، رئيس اتحاد جزر القمر لكرة القدم: "يواجه بلدنا العديد من المشاكل. فعلى غرار أي دولة مكونة من مجموعة من الجزر، نواجه تحديات تتعلق بالاقتصاد والبيئة والنقل… فعلى سبيل المثال لا الحصر، لا يمكننا التنقل بين جزيرة وأخرى إلا بالطائرة، فما بالك بالسفر إلى بلد آخر. كل هذا يتطلب نفقات وتكاليف عالية، كما أنه يساهم في تلويث البيئة. لكن رغم كل الصعاب، فإننا نكافح من أجل البقاء!"

وبالفعل، واصل منتخب جزر القمر تقدمه على قدم وساق خلال السنوات العشر الماضية، مؤكداً صحوته في الآونة الأخيرة بتغلبه على غانا وجمهورية أفريقيا الوسطى ضمن التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2026 FIFA، مما يفسر قفزته النوعية في التصنيف العالمي FIFA/Coca- Cola حيث أنهى عام 2023 في المركز 119، محققاً بذلك أعلى مرتبة في تاريخه.

“وعلَّق الرئيس سيد عثمان في هذا الصدد بالقول: "هذا التقدم ليس سوى ثمرة العمل الذي بدأ قبل بضع سنوات بدعم خاص من حكومة جزر القمر، حيث ساهم كل مدرب من المدربين الذين تعاقبوا على منتخبنا في بناء الأساس الذي قام عليه هذا الإنجاز، من خلال خبراته ومهاراته، وأخص بالذكر هنا أمير (عبده) ويونس (زردوك) وستيفانو (كوزين). فالأمر يتعلق بعمل جماعي". وأضاف: "لم نكن لنصل إلى ما وصلنا إليه لولا دعم أبناء شعبنا ومؤازرتهم لنا، سواء من مشجعينا في جزر القمر أو من أبناء جالياتنا في المهجر، علماً أن 90% من لاعبينا يأتون من الخارج".

ويُعد الكابتن ألفردو محمد بن نبوهان واحداً من نجوم جزر القمر الذين يلعبون في الخارج، وهو الذي يتصدر قائمة هدافي المنتخب الوطني على مر العصور برصيد 17 هدفاً، حيث يحتفل هذا العام بمرور 10 سنوات على مباراته الدولية الأولى، مما يعني أنه عايش شخصياً كل مراحل القفزة النوعية التي حققتها كرة القدم في البلاد.وقال المهاجم الأسطوري في حديث خصَّ به FIFA: "لقد كانت هناك استمرارية في العمل. فقبل 10 سنوات، كنا لا نزال في ريعان الشباب، أما الآن فقد أصبحنا من لاعبين مخضرمين، حيث واجهنا مختلف العقبات معاً، وتغلَّبنا عليها سوية، وهذا ما أكسبنا الخبرة مع مرور الوقت".

وتابع: "لقد قطعنا مشواراً طويلاً لا يمكنني تقييمه الآن. والأمر المؤكد هو أن كرة القدم تمكنت خلال هذه المدة من إدخال الفرحة إلى قلوب شعب جزر القمر، وربما لم يكن الأمر كذلك من قبل. فقد أصبحنا اليوم نرى حماسة هائلة كلما لعب المنتخب الوطني، بينما لم تكن بنفس القوة عندما بدأتُ مسيرتي الدولي هنا".

من جهته، أضاف الرئيس سيد عثمان في هذا الصدد: "إن هذا التآزر وهذا التلاحم بين الشعب والمنتخب الوطني هو ما يحفزنا ويجعلنا نمضي قُدماً. نحن لا نملك الكثير من الموارد والإمكانيات، بل يمكن القول إننا معوزون مقارنة بالاتحادات الأخرى. وأتوقع أننا كنا سنتقدم بوتيرة أسرع لو كانت تتوفر لدينا الموارد المتاحة لغيرنا من الاتحادات. لكن لحسن حظنا فإننا نحظى بمساعدات FIFA،والتي تُمثل 80% من مداخيلنا!".

ومن منطلق الحرص على تقديم الدعم اللازم لتطوير كرة القدم بشكل فعال في جزر القمر، موَّل الاتحاد الدولي لكرة القدم العديد من المبادرات التنموية في البلاد من خلال برامج رائدة مثل برنامج كرة القدم للمدارس وبرامج تطوير المواهب. وفي إطار برنامج FIFA Forward، تلقَّى اتحاد جزر القمر لكرة القدم تمويلاً لبناء المركز الفني ميتساميهولي، الذي يندرج ضمن المشاريع الرئيسية للجنة التنفيذية الوطنية الحالية،والمتمثلة في إعداد أربعة ملاعب بعشب اصطناعي في الجزر الثلاث.

وفي أبريل/نيسان، حل رئيس FIFA جاني إنفانتينو بدولة جزر القمر في زيارة رسمية، حيث تباحث مع فخامة رئيس البلاد، غزالي عثماني، سُبل تطوير كرة القدم في هذهالدولة الواقعة في المحيط الهندي. وقال الرئيس إنفانتينو بعد ذلك الاجتماع: "بالطبع، تحدَّثنا عن كرة القدم، وعن البنى التحتية، وكيف يمكننا مساعدة كرة القدم على النمو والتطور في هذا البلد الجميل، حيث خلصنا إلى أنه من الضروري توفُّر منشآت وملاعب في الجزر الثلاث". يُذكر أن إنفانتينو التقى مرة أخرى مع فخامة الرئيس عثماني في سبتمبر/أيلول الماضي على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة فينيويورك.

“وعن تطوير اللعبة في بلاده، قال علي سيد عثمان، رئيس اتحاد جزر القمر لكرة القدم: "نحن بحاجة ماسة إلى هذا الدعم، الذي من شأنه أن يمكِّننا من مواجهة مختلف التحديات. ذلك أن النهوض ببنيتنا التحتية، وتأهيل مدربينا على نحو أفضل لا يمكنه إلا أن يساعدنا على تحقيق مزيد من التقدم. فنحن نعتمد كثيراً على لاعبينا المحترفين بالخارج، ولكن من المهم تحسين هياكلنا المحلية، وتوفير الظروف الملائمة لمواهبنا ومساعدة دورينا على إنجاب أكبر عدد ممكن من اللاعبين الدوليين".

صحيح أن الاتحاد الدولي لكرة القدم يقدِّم كل الدعم اللازم لجزر القمر، ولكن هذه الأخيرة تساهم بدورها في إثراء مقتنيات متحف FIFA الذي حصل قبل بضعة أشهر على القميص الذي ارتداه شاكر الهدهور خلال تلك المباراة الشهيرة أمام الكاميرون في ثمن نهائي كأس الأمم الأفريقية 2022!